أوروبا تتعثر في الخروج من الأزمة الاقتصادية وفي تحقيق النمو الاقتصادي

Print Email
economic-growth

بدأت الأزمة المالية والاقتصادية عام 2008 في الولايات المتحدة الأمريكية مع أزمة الرهن العقاري وإفلاس البنك الاستثماري الاميركي لهمان برازرز، وطالت العالم بأثره عام 2009، وفي عام 2011 تحولت إلى أزمة مالية عامة بسبب الشكوك حول قدرة بعض الدول على سداد دينها العام، وأصبحت حاليا، خاصة في أوروبا أزمة هيكلية حقيقية.

فبعد مرور أكثر من 5 سنوات على بدء الأزمة في منطقة اليورو، وبعد أن تباطأ النمو الاقتصادي في دول المنطقة رغم التوقعات المتكررة لعودته، لا تزال دول المنطقة تتخبط وتحتار في كيفية التوصل إلى الخروج من الأزمة وتحقيق النمو المنتظر، ولم تعد تقوم بدور المحرك الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بل على العكس أخذت تشده نحو الأسفل، خاصة بسبب الوضع الاقتصادي في فرنسا وإيطاليا حيث يمر قطاع الصناعة فيهما بأوضاع صعبة جدا بسبب تراجع المردودية إلى حد كبير، وما ينجم عن ذلك من زيادة البطالة وتراجع الصادرات والعجز في الميزان التجاري.

وإذا كانت النتائج التي نشرت مؤخرا تشير إلى بدء خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الأزمة، فإنها تدل في منطقة اليورو على عودة التباطؤ الاقتصادي من جديد، حتى أن المتشائمين ينتظرون حصول انكماش اقتصادي جديد. ويرى المراقبون أن الشك الناتج عن الأزمة في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا والمخاطر التي كانت محتملة من انفصال اسكوتلندا زادت من حدة الأزمة وأثرت سلبيا على صادرات المنطقة وعلى انتعاش النشاطات الإنتاجية فيها.

وتشير بيانات الربع الثاني من عام 2014 إلى استقرار الناتج الإجمالي في منطقة اليورو، أي أن نسبة النمو الاقتصادي فيها بلغت 0%. وباستثناء اسبانيا التي تسارع النمو فيها وبلغ 2% سنويا بعد عدة سنوات من النمو السلبي، فقد تراجع النمو في ايطاليا التي تعتبر ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بينما لم يتجاوز النمو في فرنسا 0.2% و0.1% في بلجيكا. وحتى ألمانيا - أكبر اقتصاد في المنطقة – فقد كان النمو فيها سلبيا وبلغ -0.2% كما تراجع فيها الإنتاج الصناعي خلال نفس الفترة.

وبالرغم من ارتفاع الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو في شهر تموز بنسبة بلغت 1% وارتفاع معدل التوظيف بالمنطقة بنسبة 0.2% إلا أن مستويات التوظيف والإنتاج الصناعي مازالت أدنى مما كانت عليه قبل الأزمة.

ومن جهة أخرى انخفض الفائض التجاري لمنطقة اليورو للشهر الثاني على التوالي من 17.8 مليار يور خلال شهر حزيران / يونيو إلى 15.8 مليار يورو خلال شهر تموز / يوليو، بعد أن كان من المتوقع له أن يرتفع ليبلغ 20 مليار يورو.

كما أخذت الاستثمارات في التراجع منذ الربع الأخير من عام 2013، رغم أن صناع القرار الأوربيون يرون أنها الأداة الرئيسية لتحقيق النمو في ظل انخفاض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية بعد أن خفض المصرف المركزي الأوروبي سعر الفائدة المرجعية إلى 0.05%. ويبين الجدول التالي أهمية بعض البلدان الأعضاء في في اقتصاد منطقة اليورو إلى جانب نسبة الديون المرتفعة التي تعاني منها، وكذلك معدل التضخم والبطالة المرتفعة التي ما تزال تعاني منها.

arab-table 01Click image to view full size

بعض المؤشرات الاقتصادية في منطقة اليورو خلال الربع الثاني من عام 2014

أوروبا تبحث عن الحلول

اعتمدت دول المنطقة بادئ الأمر سياسة مالية توسعية "زيادة الإنفاق وتخفيض الموارد المالية بأمل تحفيز النشاط الاقتصادي"، وهذا ما يفسر قصر فترة الانكماش 2008-2009 غير أن هذه السياسة لم تعد ملائمة.

كما كان الإنفاق الخاص عاملا هاما في مواجهة الأزمة في البداية إلى أنه تراجع بل انهار في بعض البلدان بسبب سياسة التقشف في الميزانية وارتفاع البطالة.

وقد بدأت بلدان منطقة اليورو منذ عام 2010 باتخاذ إجراءات تقشف تعتمد على 3 جوانب، هي: إنعاش الصادرات، وتشجيع الاستثمار، وتشجيع النمو الاقتصادي الذاتي عن طريق إنعاش الاستهلاك الخاص. غير أن هذه الإجراءات فشلت في تحقيق ما تهدف إليه.

لا شك أن زيادة الصادرات هي عاملا رئيسيا للنمو الاقتصادي، وخير دليل على ذلك هو ألمانيا التي تصدر حوالي ثلثي صادرات منطقة اليورو، وقد حققت ميزانا تجاريا إيجابيا بفضل القدرة التنافسية لمنتجاتها سواء من ناحية الأسعار أو بفضل الابتكار والإبداع الذي يتسم به هذا البلد. غير أن ذلك قد ينعكس سلبيا على الاقتصاد الألماني فيما بعد لأن الاعتماد على الطلب الخارجي مع عدم إنعاش الطلب الداخلي قد يؤدي إلى نتائج عكسية للاعتماد الكلي على السوق العالمية.

غير أن البلدان الأخرى في منطقة اليورو ما تزال بعيدة كل البعد عن تحقيق ما حققته ألمانيا. فإذا ما كانت صادرات المنطقة قد انتعشت بعد الانهيار الكبير الذي شهدته عامي 2008 و2009 فإنها سرعان ما تباطأت من جديد عام 2011. ويعود ذلك إلى قيمة اليورو المرتفعة التي لم ينجح المصرف المركزي الأوروبي في خفضها (من الملاحظ أن قيمة اليورو بدأت تنخفض منذ بداية شهر أيلول / سبتمبر 2014)، في حين ضخ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأموال في السوق بكثافة ليخفض من قيمة الدولار، وأدى ذلك إلى زيادة أسعار المنتجات الأوروبية مقابل المنتجات التي تسعر بالدولار في الأسواق العالمية. وبالرغم من أن الميزان التجاري لمنطقة اليورو ما يزال إيجابيا إلا أن منتجاتها ما تزال تعاني من ضعف قدرتها التنافسية سواء على صعيد الأسعار أو على صعيد النوعية حيث لا تشمل صادراتها الكثير من المنتجات ذات القيمة المضافة العالية. كما أن هناك عاملا آخر يضعف من الصادرات الأوروبية هو ضعف التجارة في الأسواق العالمية بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي في البلدان الناشئة.

أما فيما يتعلق بالاستثمار، فما يزال مستوى الاستثمار أقل بحوالي 20% مما كان عليه في النصف الأول من عام 2008، لأن مستوى الإنتاج في الشركات تراجع بسبب انخفاض الطلب، وبالتالي لا تستعمل الشركات كامل طاقاتها الإنتاجية، وهذا لا يحفزها على الاستثمار بالرغم من توفر الأموال لديها.

إلى جانب ذلك أصبح القطاع المصرفي حذرا جدا، حيث أن مستوى مديونية القطاع مبالغ فيها، ولأن المصارف تعتمد الحيطة والحذر في منح القروض للشركات التي لديها بعض الطموحات والمشاريع بالرغم من الأزمة، خاصة لأن السلطات فرضت على المصارف أن تضمن من أموالها الخاصة حدا أدنى من كل قرض تمنحه. بالإضافة إلى أنها ما تزال تمارس معدلات فائدة أعلى بشكل ملموس في بلدان المنطقة الجنوبية مما هو عليه الحال في بلدان الشمال.

وليس من المستغرب أن يتأمل المسؤولون في منطقة اليورو انتعاش استثمار الشركات بفضل أسعار الفائدة المنخفضة. غير أنه على خلاف ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية، ما يزال مستوى الدين العام والخاص مرتفعا في بلدان اليورو، وليس أمام الشركات والأفراد الراغبين في تقليص ديونهم من حل سوى الادخار وبالتالي يتراجع الطلب الداخلي مما يؤثر على ديناميكية الاقتصاد الأوروبي.

إلى جانب ذلك تباطأ التضخم، حتى أن بعض بلدان جنوب منطقة اليورو عانت من الانكماش المالي "تراجع عام في الأسعار"، وهو ما حدث في اليابان التي تعاني من هذا الوضع منذ عشرين سنة.

وبالرغم من ذلك يبدي المسؤولون الأوربيون تفاؤلهم ويؤكدون أن نتائج المؤسسات المصرفية وضخ الأموال مؤخرا ستؤدي إلى تنشيط السياسات المالية وتخفف من شروط منح القروض، وأن الإصلاحات الهيكلية ومواثيق تعزيز القدرة التنافسية للشركات (من خلال تخفيض أعباء الرواتب التي تقع على عاتقها وتشجيعها على التوظيف، إلخ) التي اتخذتها ووضعتها بلدان منطقة اليورو ستزيد من القدرة التنافسية للمنطقة في الأسواق العالمية، وأن تحقيق ذلك في ظل سياسات تصحيح المالية العامة سيؤدي إلى عودة الثقة لدى المستثمرين والشركات والمستهلكين.

ويرى بعض الاقتصاديين أن الخروج من الأزمة سيكون بطيئا وسيمتد إلى 4 أو 5 سنوات، حيث إنعاش الطلب الداخلي في بلد كإيطاليا أو فرنسا لا يجدي لأن الشركات غير قادرة على تطوير إنتاجها مما سيؤدي إلى الاعتماد على الاستيراد أكثر فاكثر أو إلى ارتفاع الأسعار. بل على البلدان الأوروبية أن تقوم باستثمارات في ميدان الطاقة وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب تخفيض أعباء العمالة على الشركات، والإصلاحات الضريبية.

Our Sponsors

 
Besix BNP Paribas Fortis Q8

Credendo Group

Emirates

DEME

John Cockerill

Tractebel Engie

Direct Way

SGS

The Hotel Brussels

Linklaters

 

Byblos Bank Europe  

Our Partners

UAC Logo 2016 1 1020x1024

 

logo BLCCA partner ablcc

logo chambre de commerce luxembourg beci logo ablcc Logo Entreprise Europe Network

 

logo league of arab states

 

hub rvb 1

 

FIT Endorserlogo

AWEX UNRWA logo